الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعث الأَنْبِيَاء ليبينوا ذلك التوحيد، وجعله مفتاح دعوة الرسل يدعون أول ما يدعون إِلَى معرفته وتوحيده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أسمائه وصفاته وأفعاله، وما يستحقه عَلَى العباد من أنواع الطاعات والتعبدات، فلا تستقل العقول ولا تنفرد بمعرفة هذا، ودلائل ذلك من الواقع أكثر من أن تحصر.
فأيام اليونان كانت هناك نظريات عقلية بلا دين، فلما جَاءَ المنتسبون إِلَى الإسلام من الفلاسفة كـابن سينا وابن رشد والفارابي والكندي نقدوا تلك النظريات وأبطلوا كثيراً منها، وأضافوا إليها إضافات هي صحيحة بالنسبة لباطل أولئك.
ثُمَّ جاءت النهضة الأوروبيه أو عصر التنوير - كما يسمى- في القرن السادس عشر والسابع عشر، فظهرت نظريات جديدة، ومنها النظريات القديمة سواء ما أضافه المنتسبون إِلَى الإسلام أو نظريات أرسطو وأفلاطون.

ثُمَّ جَاءَ القرن التاسع عشر فظهرت المذاهب التي تسمى المذاهب الوضعية، وفي القرن العشرين ظهرت نظريات أكثر حداثة وأكثر ردة، فيا سُبْحانَ اللَّه!!
وكما قال بعض السلف رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم: "من جعل دينه عرضة للهوى أكثر التنقل".

ويكفينا قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)) [الكهف:51] فأي نظرية غيبية تتحدث عن نشأة الكون، أو ما يتعلق بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أو نشأة الإِنسَان عَلَى هذه الأرض، وكيف جاء؟ ولماذا جاء؟!
هي باطلة من وضع المضلين الذين لم يشهدهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق السماوات والأرض، ولم يشهدهم خلق أنفسهم فضلاً عن أن يشاركوه في ذلك، فهم مضلون، أضلوا بني الإِنسَانية وأضلوا أهل الديانات القديمة، ثُمَّ أضلوا أهل الإسلام فيما بعد.
ويسمونهم فلاسفةً وحكماء، وأصحاب العقول الضخمة، وهم لا قدرة لهم في معرفة ذلك إلا بالوحي، وأما ما يفهمه الإِنسَان من الوحي فيما يتعلق بمعرفة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فلا مدخل للعقل فيه.
أما فيما يتعلق بالفروع فللعقول مدخل عليه، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نزل هذا القُرْآن للتدبر والفهم والاستنباط، وكذا المعارف الدنيوية، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أوكل أمرها إِلَى الإِنسَان نفسه وسمح له وأفسح له المجال أن يعمل ويكدَّ فيها ويتعلم.
وأما ما يسمى بالعلوم الإِنسَانية أو النظريات الكونية (النظريات الإِنسَانية) فهذه لا يجوز للمسلم أن يستمد منها شيئاً
.